فتاة صغيرة لم تكمل عامها السادس تجلس بعينين لامعتين تشاهد أحد تابلوهات الرقص لسامية جمال ضمن عرض فيلم سينمائي، فتخرج هذه الصغيرة وكأنها عرفت أين خلاصها والطريق الذي عليها أن تسلكه، ولكن هذه الطفلة التي كانت تسمى مديحة، تعود أصولها إلى إحدى العائلات العريقة في جبل العرب جنوب سوريا، ورغم أنها كانت تعيش في مستوى متوسط، إلا أن هذا لا يمنع منحها هي وشقيقتها لقب أميرات وهو ما جعل قصتها فريدة رغم أن الكثيرين لا يعرفون عنها شيء، مثلها مثل عدد كبير من الفنانين الذين ذاع صيتهم بقوة واختفوا بعد ذلك تمامًا ولم يذكرهم أحد.
الأميرة مديحة السورية التي عملت راقصة
ظلت الأميرة مديحة تعيش حلم الرقص من بعد رؤيتها لفيلم سامية جمال لسنوات، ففي أحد الأيام بعد أن بلغت عامها الثامن كانت ذاهبة لبيت شقيقتها، ووقفت أمام ملهى ليلي كان يقع في شارع منزل شقيقتها وكأنها متيمة بصوت الموسيقى فأخذت تقترب أكثر من باب الملهى حتى تسمع الموسيقى بشكل أوضح حتى ابتعدت تمامًا عن أقرانها من الأطفال، وعلى مدار سنوات ظلت الصغيرة تطارد حلمها في كل مكان حتى أصبحت تتقن الرقص الشرقي بشكل كبير، ولكن الخطوة الحقيقية في مشوارها كانت عندما بلغت سن الرابعة عشر.
في هذه المرحلة العمرية انتقلت للعيش في دمشق هي ووالدتها واثنتين من شقيقاتها بعد وفاة والدها وهي في عمر الثانية عشر، وعندما أكملت عامها الرابع عشر اتخذت قرار بأنها ستعمل في مجال الرقص الشرقي، وحتى تتيح لنفسها فرصة قضاء وقت كبير خارج المنزل، أقنعت والدتها أنها ستترك المنزل من أجل الالتحاق بمعهد التمريض، وخلال هذه الفترة تعرفت الأميرة مديحة على متعهد راقصات وعرضت عليها موهبتها، مما جعله يوفر لها فرصة للعمل كراقصة في أحد الملاهي الليلية بعد أن قامت بتزوير أوراقها الرسمية حتى تستخرج بطاقة هوية شخصية تثبت أنها تبلغ من العمر 18 عام حتى يسمح لها بالعمل في هذا الملهى، والطريف أن مديحة جعلت والدتها بنفسها توقع على الأوراق المزورة لإثبات العمر مستغلة في ذلك عدم إجادة والدتها للقراءة والكتابة.
الأميرة مديحة وعلاقتها بشقيقة نعيمة عاكف
بعد فترة من العمل في أحد الملاهي الصغيرة في دمشق، قررت الأميرة مديحة أن تخطو خطوة جديدة في عالم الرقص، فسافرت إلى حمص وانضمت إلى فرقة فاطمة عاكف وهي شقيقة الفنانة المصرية نعيمة عاكف، ولكن الرياح لا تأتي دائمًا بما تشتهي السفن، ففي إحدى الليالي صعدت مديحة إلى المسرح لتقدم فقرتها كراقصة، فشاهدها خطيبها الذي كان حاله حال أسرتها لا يعلم بوجودها في حمص أو عملها في الرقص، فلم يتردد للحظة من الإمساك بها وجرها من شعرها وذهب بها إلى دمشق، وخلال وجودها بجانبه في السيارة حاول أن يقنعها بالابتعاد عن الرقص وهددها بفضح سرها لعائلتها، ولكن مع فشل محاولاته لإقناعها لم يقل شيء لأسرتها واكتفى بالإنفصال عنها.
وعلى الرغم من التهديدات لم تخشى مديحة بل على العكس أكملت مشوارها واضعة الفنانة سامية جمال نصب أعينها، فشاركت في بطولة فيلم عراقي تحت اسم (فتنة وحسن) ومن أجل مشاركتها في عالم السينما قامت بمنح نفسها اسم جديد (مديحة رشدي) حتى لا تظهر أي صلة بعائلتها العريقة وكذلك تم تقديمها كممثلة عراقية وليست سورية، ولكن الفيلم لم يحقق النجاح التي كانت تتخيله.
فريد الأطرش للأميرة مديحة ” سوف أصنع منك سامية جمال جديدة”
ومع فشل فيلمها العراقي، عرفت مديحة مثلها مثل كل من كان يرغب في دخول عالم الفن من بوابته الحقيقية أنه لا سبيل سوى السفر إلى مصر، وبالفعل جاءت إلى مصر واستطاعت أن تقابل الفنان فريد الأطرش الذي اقتنع بموهبتها، وعندما حكت له عن عشقها لسامية جمال، قال لها “أنا من صنعت سامية جمال، وسوف أصنع منك راقصة مشهورة” وبالفعل بدأت العمل في مصر، ورغم هذه الخطوات الكبيرة التي كانت تخطوها مديحة في طريق نجاحها المنشود، لم يكن أحد من عائلتها يعلم ما تقوم به سوى إحدى شقيقاتها، حتى أنها أقنعت والدتها عندما جاءت إلى مصر أنها ذاهبة إلى مصر برفقة طبيب وزوجته للعمل معهم كممرضة.
أعتزال الأميرة مديحة
في ذلك الوقت كان نشر صور النجمات الصاعدات في المجلات الفنية واحدة من الطرق التي يسلكونها من أجل الشهرة، وهو بالفعل ما قامت به مديحة ولكن عند عودتها إلى دمشق تفاجأت بأن أحد أقاربها شاهد صورتها في مجلة (أخر ساعة) وذهب إلى منزلها وفضح سرها أمام والدتها وشقيقاتها، ولم يكتفي بتعنيفها وتذكيرها بأن شجرة عائلتهم لا يشرفها وجود راقصة بينهم، وأن عليها الأختيار أما أن تترك الرقص أو يقتلها انتقامًا لشرف العائلة.
اقرأ أيضاَ :